النهي عن بعض السلوكيات بين النظرية والتطبيق
يعرف المختصون أن السلوك الإنساني هو مجموعة التصرفات والتعبيرات الخارجية والداخلية التي يسعى عن طريقها الفرد لأن يحقق عملية الأقلمة والتوفيق بين مقومات وجوده ومقتضيات الإطار الاجتماعي، الذي يعيش بداخله، وطبعا هده المقتضيات تختلف من مجتمع لآخر حسب النظم الفكرية والدينية والسياسية و الزمنية وكذلك حسب ضوابط الحريات التي يحددها كل مجتمع .فما يراه البعض حراما أو مكروها قد يراه البعض الأخر أمرا جائزا،وما كان في العصر البدائي شيئا عاديا لا يخضع لأي تنظيم نجد أن العصر الحالي يفرض قوانين، على الإنسان المعاصر أن يلتزم بها وبحذافيرها. وعليه نجد أن التطورات التي تحدث في المجتمعات تفرض يقظة موازية تسطر ما هو السلوك المسموح به وما هو السلوك غير المسموح به؟ وما هو السلوك الذي تشير إلى التشبث به وما هو السلوك الذي تشير إلى تغييره ؟ .
ودعونا نبتعد عن السلوكيات التي تثير الجدال وتدخلنا في نقاشات عقيمة، ونحاول أن نقترب من السلوكيات التي تتقارب فيها الرؤى وتخدم الإنسان باختلاف إيديولوجياته ومرجعياته الفكرية.فنأخذ على سبيل المثال شعار:" لنغير سلوكنا في الطريق "هدا الشعار الجديد والمتكرر الذي يرفع من طرف الجهات المعنية أو جمعيات المجتمع المدني، والتي تنادي بضرورة تغيير سلوكياتنا في الطريق حفاظا على سلامة الناس في حياتهم، وكذلك ضرورة احترامهم لبعضهم البعض في إطار احترام القوانين .وكم هي جميلة تلك الشعارات على المستوى النظري والتي تغري الجميع ويتشدق بها الجميع . لكن أين هي على المستوى التطبيقي؟! فما تحصده الطرق مثلا في المغرب قد فاق المعقول. حتى أطلق عليها "حرب الطرق" وكلمة حرب لم توضع بشكل اعتباطي بل لها ما يبررها من ضحايا ومعطوبين ومنكوبين ومشوهين ومتشردين،وهدا ما يستحضر الإجراءات الموازية التي تخدم هدا السلوك من تهيئ طرق وإصلاحها ومراقبة مستمرة للجانب الميكانيكي وتوعية هادفة ومراقبة قانونية وزجرية جادة. لكن عندما ندخل تدريجيا في الجانب التطبيقي للشعار نجد اختلالا في العملية أو صعوبة في تحقيقها على ارض الواقع، وهنا نجد سؤالا ملحا يطرح نفسه: هل ذلك الشعار ينطلق من الإحساس المشترك بالمسؤولية ومن "نا" الدالة على الجماعة حسب التنظير للسلوك "لنغير سلوكنا" أم انه لا يعدو أن يكون كلاما موسميا يلقى في الهواء أو لتحصل به الغرامات ثم تغض الأبصار إلى حين حملة أخرى أو أثناء الحملة ذاتها ولما لا، فكثيرا ما تفرض الغرامة على البعض والبعض الأخر يبقى خارج تلك أل "نا" الدالة على الجماعة وهدا جانب فقط يتجلى فيه اختلال العملية .فشعار النهي عن سلوك اجتماعي مشين عندما يرفع يجب أن يشمل الجميع ولا نحس فيه انه موجه لفئة معينة عليها الالتزام به وفئة أخرى خارج التوجيه وفوق الالتزام ويجب أن نحس أن ما يسري على ابن الفلاح يسري على ابن وزير الفلاحة… والعقوبات القانونية الزجرية لخدمة السلوكيات الايجابية ليس عقدة مطاطية تضيق في حالات فيما تتسع إلى حد الانفلات من العقاب في حالات أخرى ، ونلغي حينها القانون الأصلي والفعلي ونطبق قانون " أنت ووجهك ولا جيبك".فالقانون عليه أن يلتزم مبدأ النــزاهة .بمعنى لا نترك المصالح الفردية والارتشائية وعلاقات المصاحبة والمصاهرة تتحكم فيه. والجملة الأخيرة تجرنا إلى الحديث عن سلوك آخر يعد إشكالية كبيرة في مجتمعنا ولا يختلف اثنان على ضرورة تغييره أو اجتثاثه من جذوره التي توغلت كثيرا وضربت في الأعماق .انها الرشوة التي تعد سلوكا آخر غير مرغوب فيه و غير مشروع وغير قانوني، كما تعد انحرافا أخلاقيا ، وسرقة واستغلال للوظيفة العامة لتحقيق منافع خاصة، وهي ابتزاز للأشخاص البسطاء وللمؤسسات أيضا. كل هدا التصوير المشين لسلوك الرشوة يدركه الجميع وتكرس من خلاله نظرية التغيير ونهج سلوك آخر تتساوى فيه المصلحة العامة وخدمتها، فتتحقق الأقلمة والتوفيق بين مقومات التواجد في الإطار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على الصورة الأكمل والأصح،ولا تواجد لأي امتياز لشخص على حساب آخر أو فئة على حساب فئة - كما سبقت الإشارة -.فالرشوة ادن هي سلوك مستهجن يزيد من تضخم الفساد على جميع الأصعدة وتعمل على تعطيل مصالح المواطنين وتسريع مصالح أشخاص معينين. وهكذا نكون قد أسسنا
"لتغيير سلوك الرشوة" نظريا لكن ما الذي يحدث على المستوى التطبيقي ؟؟!ما يحدث أن البرلماني أو المستشار الذي ننتظر بركته يدخل إلى القبة "ببلغته" اقصد برشوته. فأي مصداقية ستكون لخطابه حين يرفع شعاراته ضد الرشوة؟!وأي مصداقية لبعض رؤساء الجمعيات الدين ينادون بشعار "لنغير سلوكياتنا ضد الرشوة" وهم أنفسهم لم يدخروا جهدا في تقديم الهدايا والوعود الكاذبة للوصول إلى مناصبهم؟! وأي مصداقية أصبحت للأحزاب التي يحاكم ممثلوها بتهم الرشوة عقب نجاحهم في الانتخابات وقبل أن يضعوا أرجلهم في مراكز القرار؟! بكل بساطة "أن فاقد الشيء لا يعطيه" ولا يمثله على أكمل وجه . بصيغة أخرى شتان بين النظرية والتطبيق.ومرة أخرى يجب على القانون أن يدخل في الخط بصيغة النزاهة من اجل توظيف ترسانته والضرب بيد من حديد على كل فاسد ومرتشي و رائش . وإضافة إلى الترسانة القانونية يحتاج الأمر إلى دعم وإلى تربية على قيم النــــزاهة التي يجب تنخرط فيها كل الفئات الاجتماعية كبارها وصغارها ورؤسائها ومرؤوسيها , إذا أردنا التوفيق بين القول والفعل طبعا …
والأمر لا يقتصر على هادين المثالين ليبقى منحصرا في دائرتها بل إن هناك كثير من السلوكيات المرتبطة يبعضها البعض فعلى سبيل المثال نجد أن القضاء الواقعي على الرشوة من الممكن أن يصحح مسارات وسلوكيات اجتماعية وسياسية أخرى لان الرشوة من اجل الحصول على رخصة السياقة ممكن أن تتسبب في كارثة من كوارث السير. و الرشوة من اجل رخصة بناء غير مستوفية الشروط ممكن أن تتسبب في كارثة إنسانية ورشوة من اجل وظيفة ممكن أن تحرم أشخاصا لهم الأهلية والأحقية فيها.وتغيير سلوكنا ضد الرشوة هو رد الحق لأصحابه حتى لا تأكلهم البطالة أو يفكروا في هجرة وطنهم أو اتجاههم نحو الجريمة أو تعاطي المخدرات. والانتفاضة ضد الرشوة هي انتفاضة ضد الفساد الاجتماعي و التراجع الاقتصادي الذي يجعلنا في مؤخرة الترتيب…
والسلسلة تمتد بامتداد التناقضات والإشكالات التي يتخبط فيها المجتمع ولا يمكن أن نضع لها حدا إلا بتلازم النظرية والتطبيق. ولعله نداء موجه للأجيال الصاعدة أكثر منه إلى جيلنا الذي تحولت فيه الرشوة إلى واقع يومي بل ويقدمها بعض المغاربة دون أن تطلب منهم -حتى -ولن أنسى أبدا مشهد دلك المهاجر المغربي الذي كان يقف أمامي في طابور البريد وبعد أن أنجزت له الموظفة خدمته اخرج من جيبه ورقة نقدية من فئة 50 درهما ومدها إليها لكنها اعتذرت بلباقة . فتحية إلى هده الموظفة ونداء إلى القادمين من بلدان تستهجن هدا السلوك بان يحضروا لنا معهم شيء من تصرفات الأوربيين في نبدهم لهده السلوكيات لا أن يعودوا ليحنوا إلى سلوكيات مستهجنة ويزيدوا الطين بلة. فتكفينا الإحصائيات التي جعلت المغرب يحتل الرتبة 79 في سلم الرشوة في سنة 2006 من بين 163 دولة حسب تقرير ترانسبرانسي الدولية السنوي" جريدة الاحدات المغربية الثلاثاء 7 نونبر 2006 وأملنا في الأجيال القادمة في تغيير سلوكياتها نظريا وتطبيقيا من أجل غد متوازن … ".
0 commentaires:
إرسال تعليق
بالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفرون على حساب في جمايل ويودون التعليق فالمرجو كتابة التعليق ثم
الضغط على السهم بالقرب من:: :التعليق باسم ::وملء الخانة
الإسم: (اسم صاحب التعليق)
عنوان URL: (في حالة التوفر على موقع الكتروني ضع رابطه هنا)
ثم ادخال الحروف اسفله و الرقم الموجود في الصورة ثم نشر التعليق
--------------------------------------------------------------------------------
ملحوظة : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل تعبر عن آراء أصحابها