Ads 468x60px

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

المعانات النفسية والاجتماعية للمهاجر المغربي البسيط بين اكراهات الغربة والحنين إلى الوطن قراءة تحليلية في قصيدة **الباصبور لخضر**



المعانات النفسية والاجتماعية للمهاجر المغربي
البسيط بين اكراهات الغربة والحنين إلى الوطن
قراءة تحليلية في قصيدة **الباصبور لخضر**


منذ المشهد الأول يحاول الشاعر أن يضعنا في الصورة (الصورة الدرامية ) إلى حد أننا نحس به وكأنه سيجهش بالبكاء مع أول كلمة ينطقها, فنحن إذن أمام ذلك الرجل المعذب الذي قهرته الغربة فجعل الوطن قبلة له, وكأنه يمارس طقسا دينيا متأملا تلك المسافات التي تفصله بالأرض التي ارتشف فيها أول ذرات الأوكسجين, وأطلق فيها أول صرخة للحياة واستنشق عبق ترابها الذي لا يعادله عطر باريسي:
"حنا غربة وطالت غربتنا ونار الغربة كواتنا مبين العينين
ايلا حنا حيين ساع نرجعو لوطنا وايلا متنا يدفنونا ناس اخرين"
            فالغربة نار يكتوي بها المهاجر البسيط, إلى درجة انه يلغي التفكير في حاضره ويطرح تساؤلا مصيريا ومؤلما :هل سيبقى حيا إلى أن يرجع إلى وطنه سالما؟ أم أنه سيتألم حتى بعد  موته -لاقدر الله ومات هناك- حيث سيدفن غريبا كما جاء غريبا .وهذه حالة العديد من المهاجرين الذين لا يمكن ان نتصور درجة ارتباطهم بتراب الوطن ويتمنون الرجوع إليه والالتحام به  ولو رفاتا …
            بعد هذا المشهد الدرامي القصير, والذي يلخص فيه الشاعر الفكرة الكلية للقصيدة و الذي يقترب إلى حد بعيد من المشهد الذي يبدأ به المخرجون السينمائيون أفلامهم لتقريب المشاهد من فكرتهم التي تنبني عليها الأحداث المتسلسلة في معرض الفلم.بعد هذا قلت يبدأ الشاعر في سرد جينيريك بسيط لعرض أبطال قصته /قصيدته يقول:
ما دراك يوم صديت خاطر وخارج من بلادي غادي حواس
وصلت لباري وضحيت مقصر والفت يا خوتي بلدان الناس
        بعبارة أخرى نستطيع أن نقول بأن هذا المقطع هو تذكير بالعناصر الأساسية و الفاعلة في القصيدة وهي ثلاثة:
1/الشاعر (المهاجر البسيط)
2/ارض الوطن(لبلاد)
3/ارض الغربة(باريس)
بالإضافة إلى عناصر وشخوص أخرى سيأتي الحديث عنها في معرض القصيدة التي ستبدأ بحصول الشاعر على جواز السفر والتفكير بالرحيل:
رفدت الباصبور لخضر وقلت أنا دي خيار الحياة
جبرت البابور يرجى في المرسى مسطرة بالرايات
وحتى نضع القصة في سياقها التاريخي فهي تعود إلى أواخر الستينات من القرن الماضي حين كان مجرد الحصول على الجواز الأخضر يخول لك الفرصة لمطاردة الفردوس المفقود والرحيل إلى بلاد الجن والملائكة.أما اليوم فجوازك الأخضر (حدو طنجة) ولابد من تزيينه بتأشيرة "شينكن" الزاهية بألوانها القزحية إن أردت ركوب المخاطرة .ففرحة الشاعر لا تعادلها فرحة بحصوله على (الباصبور) جواز السفر حيث أدرك انه سيغير نمط عيشه في بلاد تفتح أمامه كل الفرص وانطلق حاملا أمتعته نحو السفينة التي أبهرته براياتها وهيأتها .
لكن قبل دلك لابد من الحديث عن لحظة المغادرة وطبعا الحديث عن هده المغادرة كل مغربي يكون قد عاشها إما كان هو المغادر او احد أفراد عائلته أو صديقه .لحظة الفراق هده من أصعب اللحظات إذ يخيم عليها حزن قاتم وبكاء ممزوج بالفرحة .يقول :
نهار إلي مشيت خاطر ودعت أحبابي وقلبي مهموم
خليت اميمتي تنوح وتقول وليدي مشالي للروم
فبعد توديع الأصدقاء والأحباب وقلبه يتقطع يأتي الفراق الأصعب الذي هو فراق الأم نعم انه أصعب فراق ولو كان لمسافة قصيرة فما بالك بآلاف الأميال., لكن لاحظوا معي أن بكاء وحزن الأم على فراق ابنها هو بكاء وحزن من نوع خاص:
خليت اميمتي تنوح وتقول وليدي مشالي للروم
  فالأمر لا يقتصر على فراق أم لفلذة كبدها أو فراق شاعر لأمه, بل هو فراق مشوب بالحذر والخوف من طرف الأم خاصة إذا تأملنا عبارة (وليدي مشالي للروم )لأن الكلمة لها ما  لها في ذاكرتنا الشعبية .فالخوف الذي قلنا عنه هو خوف على الثوابت الأساسية تلك الثوابت التي وضعها الشاعر في كفة ووضع المال في كفة أخرى فكيف سيحافظ على توازن  هده المعادلة وكأننا بكلمة الروم التي نطقت بها الأم تلخص تساؤلات عديدة نلخصها فيما يلي :
*كيف ستحافظ  يا بني على نفسك في بلاد لا يعرفك فيها احد فكل أناسها (رواما) وغرباء؟
*كيف ستحافظ على شرفك واستقامتك في مواجهة إغراءات الشقراوات( الروميات )  ؟؟
*كيف ستحافظ على دينك في ليالي باريس الحمراء …؟
وهذه الأسئلة تبقى عالقة وسنكتشف أجوبتها في معرض القصة/القصيدة.
…ثم آ نأتي إلى فراق آخر ومشهد لا يقل إثارة عن مشهد فراق الأم :
فراق أغزالي يشيب وداك اليوم عمرو ما ننساه
هيا بدموعها ذوب وأنا قلبي عالم عليه الله.
        ولك أيها القارئ العزيز أن تتصور حدة الدراما في المشهد ولن أقول أكثر لأنه المشهد الذي يخيم فيه الصمت وتقف اللغة عاجزة أمام الفكرة ويرخص الحب حين يصير كلاما فالترجمان هنا هي دموع الحبيبين وخفقان قلبيهما وعناق الحبيبين إلى أن يحاول الشاعر أن يستل وفي هدوء أنامله المرتعشة التي تنام بين كفيها  ملوحا بهما (مع السلامة يا حيبيتي والى لقاء قريب أو بعيد لست ادري )مبتعدا عنها بخطى متثاقلة إلى الوراء دون أن ترمش عيناه أو يشيح بوجهه عن وجه معشوقته إلى إن يصطدم ظهره بشلته من الأصدقاء الدين سيسافر معهم يقول :
ركبت أنا معا أصحابي وبآيتين في البحر والموجات
في ارض اسبانيا أصبحنا في ملاكَا نزلتني بالذات
هكذا  تبدأ الرحلة بتراطم موج واختراق بحر يخبأ وراءه ما يخبأ والوصول إلى أول محطة هي محطة مالاغا باسبانيا وهنا يبدأ أول اصطدام حضاري في عقلية الشاعر حين سيسأل عن نوعية الأكل المقدم له يقول :
 جبرت العلجة تسربي كي شافتني قالت لي واش بغيت
قلت ليها بغيت نفطر وجابتلي دلمسكر وكليت
قلتلها خبريني هاد الماكلات ديالكم واش حلال
قالت لي كول واسكت وهاد الشي الي طلبتو موحال
        الاصطدام الحضاري الذي قلت به يتجلى في صورتين:
الصورة الأولى :حين قال :( جبرت العلجة تسربي ) و"العلجة" هي المرأة الغربية "مؤنث "علج " والجمع "علوج" والكل  يتذكر علوج الصحاف … فالمصطلح ليس غريبا كما قد يتبادر لدهن الكثيرين بل  يستعمله المغاربا في  عاميتهم في وصف الأجنبي. فالشاعر لم يخفي اندهاشه من وجود امرأة هي التي  تقدم له الأكل عوض الرجال ,فحسب ثقافته وحضارته يفترض ان كون مكان المرأة هو البيت وليس الوقوف في المطاعم وخدمة الرجال الغرباء .
الصورة الثانية من الاصطدام الحضاري هو بعد أن أكل ودهب عنه الجوع تذكر سؤالا يردد فيه  صدى هويته الدينية والإسلامية قائلا :
قلتلها خبريني هاد الماكلة ديالكم واش حلال
قالت لي كول واسكت وهاد الشي الي طلبتو موحال
        فالدين الإسلامي يفرض عليه أن يأكل  إلا ما هو مذبوح وليس "مسكر"( أي غير المدبوح بالطريقة الاسلامية) على حد تعبيره لكن باليد حيلة  وكاني بصاحبة المطعم  تقول  له "كول واسكت اسي احمد كول ونوض فحالك كونبغيتي المدبوح كون اجلست في بلادك اش داك لشي مسكر ولا مدبوح".
        رحلة شاعرنا اسي احمد ستستمر للحظات في هدا
l’escale  الاسباني أي فترة الاستراحة التي سيقضيها هناك يقـــــــــــول :
مشيت انا نحوس جبرت المرشي على كل الوان
جبرت الخوخ والسفرجل تفاح اسبانيا والبنان
        ادن هده الخيرات ستفتح شيهية صاحبنا مما سيدفعه الى ان يسال البائعة عن اثمنتها لكن كيف ؟
ابونضيةخبريني اسينيورا كواترو في الثمن
ماصبت لسان باش نهضر وقال لي خاصك الترجمان
كوناكيلو دي بلاطا انونو كين سيبيسيطاس
انا مافهمت والو ناضا ناضا يا بنت الناس
        هنا تبدا محنة التواصل واللغة فقد اراد ان يتحدث ويعبر عن مراده لكنه لم  بستطع دلك وهدا مشكل يعانيه الكثير من المهاجرين البسطاء غير المتعلمين للغات الاجنبية مما يزيد من صعوبة الاندماج في المجتمع الدي انتقلوا للعمل فيه فالاندماج يتطلب تواصلا والتواصل يتطلب اتقانا للغة ودائما الاقوى هو الدي يفرض عليك اسلوبه ولغته وهدا معروف وعليه اسي احمد "طلعوا ليه الصبليون الدم" وقرر ان يواصل رحلته نحو باريس :
مشيت للكار نجري من الماشينا زدت للفرونتيار
تودوسويت وصلتني للديوانا بين ليلة ونهار
        اخترق اسبانيا ما بين ليلة ونهار بفضل التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في القطار السريع وهدا تعبير عن انبهاره بالتطور الحضاري والتكنولوجي الحاصل في اوروبا وهاهو البطل قد وصل الى الحدود الفرنسية الاسبانية والى الديوانا وما ادراك ما الديوانة :
رواح تشوف احبيبي في الديوانا منين قالو لفتاش
احنا سبعة فوتونا وسبعطاش اخرين رجعوا مكانش
مشهد الديوانا او الجمارك هو ايضا لم يغفل عنه الشاعر بل وصفه من خلال حالة التفتيش الصارمة التي يتعرض لها المسافرون بحيث لم يستطع ان  يمر الا هو وستة من اصدقائه اما القية فرفضت ولكل قصته لمادا رفض ؟…
        وهاهو قد وصل الى باريس واول عاطفة ستتحرك في دواخله هي الحنين الى الوطن ,يقول:
 خليت بلادي بعيدة وجيت للباري وراني خدام
قلت انا عاد نخدم ندير اللوطو ونرفد لحمام
خليت بلادي بعيدة وجيت للباري وراني خدام
قلت انا عاد نخدم ندير اللوطو ونرفد لحمام
نخدم السبت ولحدودا ونهار الفيشطا معا راس العام
عييت انا ما نخمم واليوم طوالو عليا ليام
الله الله احبيبي هاد الشي حق ولا موحال
طناش العام غير غربة في باريس وباقي مزال.
        الحنين تمثله عبارة (خلت بلادي بعيدة وجيت لباريس وراني خدام) والمقطع ككل يحيلنا الى تلك الصورة السلبية التي يجسدها بعض المهاجرين حيث يكون هاجسهم الاول هو ان يشتغل وفي  ظروف صعبة ليلا ونهارا وفي الايام العادية وحتى ايام العطل وهدفه من كل هدا ان يجمع اكبر عدد من النقود لكي يشتري بها سيارة فاخرة ويعود بها الى البلاد حتى يتباهى بها امام ابناء بلدته ويوقع بها عقول الفتيات السادجات ليخادعهن ب (بتزماكريته) –نسبة الى الزماكريا تصريف لكلمة Les émigres  وللاسف هده الصورة التي  يسوقها العديد من الشباب المغربي المهاجر بحيث يعطي صورة خارجية مغرية تمثل في السيارة الفاخرة وبجانبه اجمل الجميلات .وتلك الصورة ربما هي سبب مأساة العديد من العائلات المغربية بحيث ان اغلب شبابها وابنائها تستهويهم الصورة ويقررون ركوب المخاطرة من اجل تحقيق نسخة مطابقة لها في دواتهم  لكن مخاطرتهم تكلفهم حياتهم والمقصود هنا شباب قوارب الموت وحتى من حفظه الله من هول الغرق تقابله اهوال اخرى كظروف الاقامة الاستقرار الصعب بدون اوراق قانونية .وعليه فصورة السيارة الفخمة والبنت الشقراء تخبا ورائها ما تخبا اقل ما يقال عنها (لمزوق في البلاد اش خبارك في باريس )وطبعا حتى لا نسقط  في التعميم فهناك من يملك الجرائة ويحكي  عن ظروفه الصعبة بل وهناك من توفرت له الظروف المواتية ووصل حتى الى مراكز القرار والبرلمانات الاوروبية ومنهم من يبقى همه الوحيد هو جمع المال دون التفكير في وسيلته اهي شرعية ام لا .واسي احمد ايضا حاول ان يجرب طريقة غير شرعية في كسب المال بعد ان اعياه العمل الشاق من اجل ان يعود لمحبوبته التي يزيده التفكير فيها هما على هم الغربة اترككم مع هدا المقطع :
خليت اغزالي يصيح ونيرانو شاعلة للان
قلت انا عاد نربح ساعة ما ربحت مادرت المال
خمسة وثلاتين الف نجيبها كل اسبوع
نقول انا غير هاد المرة نشري طومابيل من خيار النوع
        هنا تتوقف تجربة الكسب الحلال ويتجه اسي احمد الى التفكير في الربح السريع عن طريق الحرام نلعب التيرسي نجرب زعما باش نربح مليون
العود الي نقول يربح يجي في التالي بحال المجنون
نقول انا نزيد هاد المرة غادي نزيد زوج ملايين
الخيل الي ندهم بثلاتة يبقاوا في الثلا عيانين
 نقول انا نزيد هاد المرة غادي نزيد زوج ملايين
الخيل الي ندهم بثلاتة يبقاوا في الثلا عيانين
        لكن النحس يطارده ويعود الى نفسه متأملا في هده الحياة اللعينة التي اغنت البعض الى حد البدخ والترف في حين تركته هو تائها هائما في بلاد الغربة يقاسي همومه وحظه العثر فلنستمع الى هدا المونولوج الداخلي :
عييت انا ما نخمم في هاد الدنيا والزهر ما عنديش
واحد اعطاه ربي يرقد غير في المطارح والريش
عييت انا ما نخمم في هاد الدنيا والزهر ما عنديش
واحد اعطاه ربي يرقد غير في المطارح والريش
واحد اعطاه ربي حتى اللوطو دار ليها عساس
وواحد لبدا غريب مودر هايم في بلادات الناس
واحد اعطاه ربي حتى اللوطو دار ليها عساس
وواحد لبدا غريب مودر هايم في بلادات الناس

في هدا المشهد الموالي تحتدم وتتسارع الأحداث وتتشابك الوقائع ويغير الشاعر من إيقاع القصيدة الذي يحاول أن يجعله ملائما لهدا السرد السريع لتفاصيل تجربته الباريسية, إذ يعطي شبه تلخيص لتلك التجربة, جاعلا منها رسالة وعبرة وتحذيرا لكل من يريد أن يقصد مدينة باريس من أبناء وطنه يقول :
الله الله يالقاصد مدينة باري   رواح نوصيك
احضي روحك الغادي وكون فطين راهم يفوزوا بيك
اسمع قولي ودير رايي ومشي وحدك لا تكثر الأصحاب
يجرى لك كيما جرالي حتى تسمح في لبلاد ولحباب
        فهو نداء إلى كل من يقصد  هذه المدينة  عليه أن يكون حذرا- أولا-  وإلا سيكون مصيره الضياع. وعليه –ثانيا- أن يسمع قول الشاعر  ويأخذ بتجربته وان لا يكثر من الأصدقاء –أصدقاء السوء طبعا-حتى لا يكرر مسيرته وخطاه حين أكثر منهم.  حتى انقطعت سبله عن الوطن وعن الأحباب.
        وحتى يضع الشاعر المتلقي في الصورة الحقيقة لظروفه المعيشية والاجتماعية والعملية والنفسية يبدأ في سرد كرونولوجي/ زمني أوله الاستيقاظ على الساعة الرابعة صباحا إلى أن يعود في المساء منهكا متذمرا…
 فلنتابع مسيرة الشاعر اليومية عبر مقاطع هدا المشهد:
 منين يصوني الرفاي على الربعا يكون مازال الليل
نصيب الغاشي سبقني يرجاو الطوبيس والنو تسيل
        أول المعانات ادن هي الاستيقاظ باكرا وعلى الساعة الرابعة صباحا حيث لا يزال الظلام مخيما على المدينة, و رغم أن الجو شتائي وماطر فان الكل يتسابق مع الزمن ليلحق حافلته التي ستوصله الى مكان عمله :
ندير التور باش نركب نمشي للخدمة والحال بعيد
يصبح الغاشي معذب مخلطا بالأحرار ولعبيد
        فبُعد مكان العمل ينضاف إلى معاناته وهو وصف أيضا لمدينة باريس التي يبدأ نهارها العملي مبكرا يقول ((مخلطا بالأحرار ولعبيد )) أي مستخدمين وأرباب عمل على حد سواء .
ننـزل من الطوبيس ونصيب الميترو شحال عندو بيبان
تحت الأرض خادمينو بالعقلية مفصلينو طرقان
        فوسيلة نقل واحدة غير كافية للوصول إلى مكان العمل بعد الحافلة يستقل الميترو والميترو وسيلة نقل جديدة عليه مما جعله ينبهر بطريقة تشييدها ونظامها  الذي يدل على ان مصمميها لهم مستوى صناعي متطور. وهدا التشعب وتعدد المحطات إضافة إلى أمية " اسي احمد" الفرنسية سيسبب له مشكلة أخرى ومعانات جديدة :
مشيت وسقسيت وحدة قلت ليها si  vous plais a madame
هزت كتافها عليا ما هضرت ما جاوبتني بكلام
قلتلها ماضموزيل excuse moi قراي لي دالعنوان
اقالتلي كاسكيليا وقلت لها moi je suis marocain
قلتلها ماضموزيل excuse moi قراي لي دالعنوان
اقالتلي كاسكيليا وقلت لها moi je suis africain
قال لي ou tu vas?قلت لها moi je sais  a rien
قلت لها جوسوي مبردي قالت جمام فو صافي ريان
اقلت لها ماضموزيل جمام فو كاسكوسافودير
الله الله اخوني والي ما عندو لسان واش يدير
        فهدا الحوار رغم بساطته وما يحتويه من  طابع السخرية إلا انه يطرح من خلاله ظاهرة خطيرة وعميقة:
مشيت وسقسيت وحدة قلت ليها si  vous plais a madame


ودائما هدا البعد عن العمل وتشعب المواصلات ومشاويرها سيسبب له مشكلة اخرى عندما سيعود قافلا الى البيت  يقول :
نخدم ونولي عشيا معا التسعة عاد نخلط للدار
نصيب عشايا مودر نجيب الخضرا وننسى لبزار
العشرة زعفوا عليا وقالو لياه مادرت طياب
خصك  تنوض بكري ولا راحنا نريكلو ليك لحساب
قالو ليت ليا روح بعدا جيبنا ايلا كان  غي شي بيضات
قلت ليهم مكان والو الرومية كملت وفرمات
تما زادو عايروني وقالو ليا انتيا فنيان
خصك تنوض بكري وتجيب لينا كلشي بالميزان
تما زادو عايروني وقالو ليا انتيا فنيان
خصك تنوض بكري وتجيب لينا كلشي بالميزان
قلت ليهم سامحوني وانا راني شويا عيان
هم الغربة بلاني ورشى قلبي بالهموم والمحان
وكما اشرت  يتحدث الشاعر –هنا- عن عودته المتأخرة ومحنته مع أصحابه في "العشرة" وكلكم تعرفون نظام "العشرة" اي السكن مع الاصدقاء في منزل واحد  وما فيه من تقسيم للوظائف بطرق التناوب حول مهام الاكل والنظافة الى اخره…
 فصديقنا بعد عودته من العمل عليه ان يقوم بمهمة تحضير الأكل المسندة اليه, لكن تأخره في العودة سيحول دون دلك ويزيد من صعوبة الامر . هنا سيُعَيّره أصحابه بالفشل وعدم التفاني في القيام بواجبه .ورغم توسلاته لهم تارة بمرضه وتارة اخرى بمعاناته من حرقة الغربة وهمومها فانهم لن يرحموه. مما دفعه الى الانفصال عنهم واللجوء الى اصدقاء اخرين (نفتح القوس لملاحظة لابد منها :فما يمكن ان يستنتج من هده الواقعة البسيطة هو غياب الرأفة والحنان والرحمة ومشاعر العطف في مجتمع مادي لا يعير اهتماما لكل هده المشاعر الانسانية, بخلاف المجتمع المغربي المليئ بمشاعر العطف والمواساة لانه مجتمع روحي في مقابل المجتمع الاوروبي المادي من رأسه حتى أخمص قدميه تلك  المادية التي غيرت وافسدت طباع كل الناس :
بني عمي زعفوني وطلب السكنى مع ناس اخرين
ومنين جاو كلموني واقيتهم كلهم شلحيين
قلت ليهم فهموني بالعربية واسمو د الكلمات
قالو لي بالسلامة واحنا ما عندنا وين تبات
        وبما ان الشاعر لم يجد خيرا في أبناء عمومته قرر أن يتوسم الخير والعطف في أناس اخرين لكن مجرد طلب صغير منه أن يفهموه ويترجموا له ما يقولونه بالامازيغية شلحة) جعلهم يصدونه ويحرمونه من الاقامة معهم بحجة ان لا مكان  يتسع له بينهم -حسب قوله- .
        وكل هده المحن زادت من تأجيج غريزة الحنين الى الوطن والاحباب :
ثلت  سنين بالكشايف باش درت دلفرنكات
قلت نروح لبلادي زعما نشوف الخيات
الديوانا فتشوني وصابوا عندي الا لافيشات
اقالولي ويرا خدمتك وانا داوهالي لبنات
الديوانا فتشوني وصابوا عندي الا لافيشات
اقالولي ويرا خدمتك وانا داوهالي لبنات
فالشاعر عاش ثلات سنوات في الغربة وكابد فيها ما كابد وعانى فيها ما عانى لكنه لم يوفر الا القليل من المال (لفرنكات نسبة الى الفرنك الفرنسي ) لكي يعود الى وطنه لكن العودة هي الاخرى تخبأ له مشاكل اخرى, ودلك حين سمع بعض الناس يتغامزون ويعيرونه بالفلاس- وهدا مبني على فكرة ان كل من ياتي من الخارج لابد وان يحضر معه الاموال الطائلة والخيرات والهدايا –دون اطلاعهم على الظروف التي مر بها اسي احمد في غربته وهدا ما دفعه للرد عليهم بهده الكلمات :
 الزلط المنضوم لخضر ندمت وراني مريض ومهموم
سمعت الي غشيم يهضر قهرني باللوم وكلام العار
ا لايمني لياه تهضر وتزيد تقوي عليا لضرار
هم الدنيا المرة وهم الغربة وشوف بينا ماصار
هده ادن هي كل الهموم النفسية وكل المعانات الاجتماعية التي عايشها الشاعر
اسي احمد. وبدون شك ماهي الا نمودج للعديد  من المهاجرين البسطاء.
 تلك  الظروف هي التي كانت تدفع الشاعر الى الهروب نحو النسيان بحيث
لم يجد الا الخمر يساعده على التخفيف من حدة تلك الهموم :
نهار السبت منين نخدم ندير قمجا معا طروا كار
نروح لباري ونفاجي بالويسكي والريكار…
ولكل  معاناته ولكل طريقة هروبه …
وخلاصة القول ان التطرق الى قصيدة " الباصبور لخضر"  بالتحليل  ليس معناه انها  تحتاج  الى شرح وتوضيح فهي  بطبيعة  لغتها  وتراكبيها في متناول العديد من  الناس  ان  لم  نقل  كل الناس   المثقفين منهم  والعاديين لانها كتبت  بلغة  بسيطة وسلسة ومتسلسلة  في  احداثها وصورها. والدليل  الاخر  ان جمهور عريض  يحفظها ويتذكرها, ليس جمهور المنطقة الشرقية  فقط  بل امتدت  شهرتها الى العديد  من مناطق  المغرب,  كما يعرفها جمهور المهاجرين خاصة ممن ينتمون الى الجيل  الاول الدي غادر ارض الوطن وكله تعلق  به وارتباط بثوابثه وثقافته مما اعطاها قيمة كبيرة  في  نفوسهم,  لانها  بكل بساطة تحكي عن معاناتهم الى درجة انها لسان أغلب المهاجرين .لكن في مقابل هدا الكلام  اقول ان القصيدة هي جزء من  تراث المنطقة الشرقية   الدي نعتز به. والاشتغال على التراث هو في عمقه متعة وثقافة ووفاء ,وهو أيضا ثورة على نظام الأولويات  التي يتحدث  به  العديد  من  النقاد .فالزمن هو  زمن كل الفنون  سواء كان  شعرا فصيحا  او شعبيا او رواية او مسرحا  وكل  هده  الالوان  تستحق منا   التطرق اليها  باعتبارها  نتاجات فنية انسانية تعبر عن همومنا ومحطاتنا التاريخية والفنية. واستطيع  ان اقول  ان هده البساطة التي  تتميز  بها  القصيدة  تلامس عمق الانسان البسيط قد  تتفوق  فيه  على قصائد  اخرى عالجت  نفس  الموضوع .ثم  لا ننسى  اننا نتحدث عن لون موسيقي تتميز به  المنطقة   الشرقية  هو موسيقى الناي  "القصبة "  التي تتميز بلحنها  ورنتها الخاصة وللاسف  قد  غزتها  ألوان  موسيقية  أخرى -مع احترمنا لكل الادواق-ومنبع الاسف ايضا هو افتقادنا كدلك  لمتعة"الحكواتي" أو " المدّاح " في التعبير المحلي او  "القوّال"الذي كان  يعقد جلساته"حلقاته" في  الأسواق  الشعبية وهذه الاشارة  لا تعد حديثا عن  الموسيقى فقط  بل  تحمل اشارة  مسرحية ايضا  اذا   اعتبرت  "الحلقة" بداية اولى للمسرح المغربي  بطريقة كلاسيكية  لا ترقى طبعا  الى التطورات التي  عرفتها السينوغراقيا والاخراج المسرحي  ومؤثراته في وقتنا الحاضر.كما لا تفوتنا الاشادة بالاعمال المسرحية التي  تنهل من هدا التراث وتعيد له قيمته ودوره وكذلك تقدمه للجمهور مستغلة في دلك  تقنياتها واساليبها الجديدة …
وفي ختام الجزء الرابع والاخير  نتمنى  ان  نكون  قد وفينا هدا  الفن  حقه ووفينا حق بعض الادواق التي لا زالت تحفظ في قلبها حبا لهدا  اللون  الموسيقي والشعري…
    انتهـــــــــى  
    

كتبهارشيد قدوري ، في 14 يوليو 2007 الساعة: 22:26 م


0 commentaires:

إرسال تعليق

بالنسبة للأشخاص الذين لا يتوفرون على حساب في جمايل ويودون التعليق فالمرجو كتابة التعليق ثم
الضغط على السهم بالقرب من:: :التعليق باسم ::وملء الخانة

الإسم: (اسم صاحب التعليق)
عنوان URL: (في حالة التوفر على موقع الكتروني ضع رابطه هنا)

ثم ادخال الحروف اسفله و الرقم الموجود في الصورة ثم نشر التعليق
--------------------------------------------------------------------------------

ملحوظة : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل تعبر عن آراء أصحابها